فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق} أي وعد القيامة {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} أي لا تخد عنكم بلذاتها وما فيها عن عمل الآخرة وطلب ما عند الله {ولا يغرنكم بالله الغرور} أي لا يقل لكم اعملوا ما شئتم فان الله يغفر كل ذنب وخطيئة ثم بين الغرور من هو فقال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا} أي عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه فيما يأمركم به من الكفر والمعاصي {إنما يدعوا حزبه} أي أشياعه وأولياءه {ليكونوا من أصحاب السعير} ثم بين حال موافقيه ومخالفته فقال تعالى: {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير}.
قوله: {أفمن زين له سوء عمله} قال ابن عباس نزلت في أبي جهل ومشركي مكة وقيل نزلت في أصحاب الأهواء والبدع ومنه الخوارج الذي يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وليس أصحاب الكبائر من الذنوب منهم لأنهم لا يستحلونها ويعتقدون تحريمها مع ارتكابهم إياها ومعنى زين له شبه له وموه عليه قبيح عمله {فرآه حسنًا} وفي الآية حذف مجازه أفمن زين له سوء عمله فرأي الباطل حقًا كمن هداه الله فرأى الحق حقًا والباطل باطلًا {فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقيل مجاز الآية أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء والحسرة شدة الحزن على ما فات والمعنى لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إن لم تؤمنوا {إن الله عليم بما يصنعون} فيه وعيد العقاب على سوء صنيعهم {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابًا} أي تزعجه من مكانه وقيل تجمعه وتجيء به {فسقناه} أي فنسوقه {إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور} أي مثل إحياء الموات نشور الأموات روى ابن الجوزي في تفسيره عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه فقال «هل مررت بواد أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرًا قلت نعم قال كذلك يحيي الله الموتى وتلك آيتة في خلقه».
قوله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا} قيل معناه من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعًا وقيل معناه من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله هو دعاء إلى طاعة من له العزة أي فليطلب العزة من عند الله بطاعته، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز، فبين الله أن لا عزة إلا لله ولرسوله ولأوليائه المؤمنين {إليه} يعني إلى الله {يصعد الكلم الطيب} قيل هو لا إله إلا الله وقيل هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر روى البغوي باسناده عن ابن مسعود قال «إذا حدثتكم حديثًا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله، إلا أخذهن ملك تحت جناحه ثم يصعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بها وجه رب العالمين، ومصداقه من كتاب الله قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} » هذا حديث موقوف على ابن مسعود وفي إسناد الحجاج بن نصير ضعيف، وقيل الكلم الطيب ذكر الله تعالى وقيل معنى إليه يصعد أي يقبل الكلم الطيب {والعمل الصالح يرفعه} قال ابن عباس أي يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، وقيل الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء الفرائض فمن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وليس الإيمان بالتمني وليس بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال فمن قال حسنًا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ومن قال حسنًا وعمل صالحًا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وجاء في الحديث «لا يقبل الله قولًا إلا بعمل ولا عملًا إلا بنية» وقيل الهاء في يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يقبل عملا إلا أن يكون صادرًا عن توحيد وقيل معناه العمل الصالح يرفعه الله وقيل العمل الصالح هو الخالص، وذلك أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال {والذين يمكرون السيئات} أي يعملون السيئات أي الشرك وقيل يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة وقيل هم أصحاب الرياء {لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} أي يبطل ويهلك في الآخرة.
قوله: {والله خلقكم من تراب} يعني آدم {ثم من نطفة} يعني ذريته {ثم جعلكم أزواجًا} يعني أصنافًا ذكرانًا واناثًا وقيل زوج بعضكم بعضًا {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر} يعني لا يطول عمر أحد {ولا ينقص من عمره} يعني عمر آخر، وقيل ينصرف إلى الأول قال سعيد بن جبير، مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة، ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان، ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره، وقيل معناه لا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب قال كعب الأحبار حين حضرت عمر الوفاة والله لو دعا عمر به أن يؤخر أجله لأخر، فقيل له إن الله تعالى يقول {فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} قال: هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد ذلك وقرأ هذه الآية {إلا في كتاب} يعني اللوح المحفوظ {إن ذلك على الله يسير} أي كتابة الآجال والأعمال على الله هين.
قوله تعالى: {وما يستوي البحران} يعني العذب والمالح ثم وصفهما فقال: {هذا عذب فرات} أي طيب يكسر العطش {سائغ شرابه} أي سهل في الحلق هنيء مريءٍ {وهذا ملح أجاج} أي شديد الملوحة يحرق الحلق بملوحته وقيل هو المر {ومن كل} يعني من البحرين {تأكلون لحمًا طريًا} يعني السمك {وتستخرجون} يعني من الملح دون العذب {حلية تلبسونها} يعني اللؤلؤ والمرجان وقيل نسب اللؤلؤ إليهما لأنه يكون في البحر المالح عيون عذبة فتمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ منهما {وترى الفلك فيه مواخر} يعني جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة {لتبتغوا من فضله} يعني بالتجارة {ولعلكم تشكرون} يعني تشكرون الله على نعمه {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه} يعني الأصنام {ما يملكون من قطمير} هو لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة {إن تدعوهم} يعني الأصنام {لا يسمعوا دعاءكم} يعني أنهم جماد {ولو سمعوا} أي على سبيل الفرض والتمثيل {ما استجابوا لكم} أي ما أجابوكم وقيل ما نفعوكم {يوم القيامة يكفرون بشرككم} أي يتبرءون منكم ومن عبادتكم إياها {ولا ينبئك مثل خبير} يعني نفسه أي لا ينبئك أحد مثلي لأني عالم بالأشياء. اهـ.

.قال ابن جزي:

{جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} أي وسائط بين الله وبين الأنبياء متصرفين في أمر الله {مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} صفات للأجنحة ولم ينصرف للعدل والوصف، والمعنى أن الملائكة منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة أجنحة {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ} قيل: يعني حسن الصوت، وقيل: حسن الوجه، وقيل: حسن الحظ، والأظهر أنه يرجع إلى أجنحة الملائكة، أو يكون على الاطلاق في كل زيادة في المخلوقين.
{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} الفتح عبارة عن العطاء والإمساك عبارة عن المنع، والإرسال الإطلاق بعد المنع والرحمة كمل ما يمنّ الله به على عباده من خيريّ الدنيا والآخرة فمعنى الآية: لا مانع لما أعطى الله ولا مُعطي لما منع الله، فإن قيل: لم أنث الضمير في قوله: {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} وذكَّره في قوله: {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} وكلاهما يعود على ما الشرطية، فالجواب: أنه لما فسر {مِن} الأولى بقوله: {مِن رَّحْمَةٍ} أنثه لتأنيث الرحمة، وترك الآخرة على الأصل من التذكير {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد إمساكه.
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله} رفع غير على الصفة لخالق على الموضع، وخفضه صفة على الرفع، ورزق السماء المطر، ورزق الأرض النبات، والمعنى تذكيرهم بنعم الله وإقامة حجة على المشركين، ولذلك أعقبه بقوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ}.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} الآية: تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه كأنه يقول: إن يكذبوك فلا تحزن لذلك فإن الله سينصرك عليهم، كما كذبت رسل من قبلك فنصرهم الله.
{الغرور} الشيطان، وقيل: التسويف.
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ} توقيف وجوابه محذوف تقديره: أفمن زين له سوء عمله كمن لم يزين له؟ ثم بنى على ذلك ما بعده، فالذي زين له سوء عمله هو الذي أضله الله، ومن لم يزين له سوء عمله هو الذي هداه الله {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن حزنه لعدم إيمانهم، لأن ذلك بيد الله.
{كَذَلِكَ النشور} اي الحشر، والمعنى: كما يحيي الله الأرض بالنبات كذلك يحيي الموتى.
{مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة} الآية تحتمل ثلاثة معان: أحدها وهو الأظهر من كان يريد نيل العزة فليطلبها من عند الله، فإن العزة كلها لله، والثاني من كان يريد العزة بمغالبة الإسلام فللَّه العزة جميعًا، فالمغالب له مغلوب، والثالث من كان يريد أن يعلم لمن العزة فليعلم أن العزة لله جميعًا {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} قيل: يعني لا إله إلا الله، واللفظ يعم ذلك وغيره من الذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، وتعليم العلم: فالعموم أولى {والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} فيه ثلاثة أقوال أحدها أن ضمير الفاعل في يرفعه: الله وضمير المفعول للعمل الصالح، فالمعنى على هذا أن الله يرفع العمل الصالح: أي يتقبله ويثيب عليه، والثاني أن ضيمر الفاعل للكلام الطيب، وضمير المفعول للعمل الصالح، والمعنى على هذا: لا يقبل عمل صالح إلا ممن له كلام طيب، وهذا يصح إن قلنا: إن الكلم الطيب لا إله إلا الله، لأنه لا يبقبل العمل إلا من موحد، والثالث أن ضمير الفاعل للعمل الصالح، وضمير المفعول للكلم الطيب، والمعنى على هذا أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب فلا يقبل الكلم إلا ممن له عمل صالح، وروي هذا المعنى عن ابن عباس، واستبعده ابن عطية وقال: لم يصح عنه؛ لأن اعتقاد أهل السنة أن الله يتقبل من كل مسلم. قال وقد يستقيم بأن يتأول أن الله يزيد في رفعه وحسن موقعه {يَمْكُرُونَ السيئات} لا يتعدى مكر فتأويله يمركون المكرات السيئات، فتكون السيئات مصدرًا أو تضمن يمكرون معنى يكتسبون فتكون السيئات مفعولًا، والإشارة هنا إلى مكر قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حين اجتمعوا في دار الندوة؛ وأرادوا أن يقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} البوار الهلاك أو الكساد، ومعناه هنا أن مكرهم يبطل ولا ينفعهم.
{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} أي أصنافًا وقيل: ذُكرانًا وإناثًا وهذا أظهر {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} التعمير: طول العمر والنقص: قصره والكتاب: اللوح المحفوظ فإن قيل: إن التعمير والنقص لا يجتمعان لشخص واحد فكيف أعاد الضمير في قوله: {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} على الشخص المعمر؟ فالجواب من ثلاثة أوجه الأول وهو الصحيح أن المعنى ما يعمر من أحد ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، فوضع من معمر موضع من أحد، وليس المراد شخصًا واحدًا، وإنما ذلك كقولك لا يعاقب الله عبدًا ولا يثيبه إلا بحق، والثاني أن المعنى لا يزاد في عمر إنسان ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، وذلك أن يكتب في اللوح المحفوظ أن فلانًا إن تصدق فعمره ستون سنة وإن لم يتصدق فعمره أربعون، وهذا ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلة الرحم تزيد في العمر»، إلا أن ذلك مذهب المعتزلة القائلين بالأجلين وليس مذهب الأشعرية، وقد قال كعب حين طُعن عمر: لو دعا الله لزاد في أجله، فأنكر الناس عليه فاحتج بهذه الآية. والثالث أن التعمير هو كَتْبُ ما يستقبل من العمر والنقص هو: كَتْبُ ما مضى منه في اللوح المحفوظ وذلك حق كل شخص.
{وَمَا يَسْتَوِي البحران} قد فسرنا البحرين الفرات والأجاج في [الفرقان: 53] وسائغ في [النحل: 66]، والقصد بالآية التنبيه على قدرة الله ووحدانيته وإنعامه على عباده، وقال الزمخشري: إن المعنى أن الله ضرب للبحرين الملح والعذب مثلين للمؤمن والكافر وهذا بعيد {لَحْمًا طَرِيًّا} يعني الحوت السمك {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يعني الجوهر والمرجان، فإن قيل: إن الحلية لا تخرج إلا من البحر الملح دون العذب، فكيف قال: {وَمِن كُلٍّ} أي من كل واحد منهما؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول أن ذلك تجوّز في العبارة كما قال: {يَامَعْشَرَ الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ} [الأنعام: 130] والرسل إنما هي من الإنس. الثاني أن المرجان إنما يوجد في البحر الملح حيث تنصب أنهار الماء العذب، أو ينزل المطر فلما كانت الأنهار والمطر وهي البحر العذب تنصب في البحر الملح كان الإخراج منهما جميعًا. الثالث زعم قومٌ أنه يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح والعذب، وهذا قول يبطله الحس أي الواقع {مَوَاخِرَ} ذكر في [النحل: 14].
{يُولِجُ} ذُكر في [لقمان: 29] {قِطْمِيرٍ} هو القشر الرقيق الأبيض الذي على نوى التمر، والمعنى أن الأصنام لا يملكون أقل الأشياء فكيف أكثرها.
{يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي بإشراككم، فالمصدر مضاف للفاعل، وكفر الأصنام بالشرك يحتمل أن يكون بكلام يخلقه الله عندها، أو بقرينة الحال {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل مخبر عالم به، يعني نفسه تعالى في إخباره أن الأصنام يكفرون يوم القيامة بمن عبدهم. اهـ.

.قال النسفي:

{الحمد للَّهِ} حمد ذاته تعليمًا وتعظيمًا {فَاطِرِ السماوات} مبتدئها ومبتدعها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أدري معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها.
أي ابتدأتها {والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} إلى عباده {أُوْلِى} ذوي اسم جمع لذو وهو بدل من {رُسُلًا} أو نعت له {أَجْنِحَةٍ} جمع جناح {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} صفات لأجنحة، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ إلى صيغ أخر كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير.
وقيل: للعدل والوصف والتعويل عليه، والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان، وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة، ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة، وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة {يَزِيدُ في الخلق} أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره {مَا يَشَاءُ} وقيل: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين، والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} قادر.
{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها، واستعير الفتح للإطلاق والإرسال ألا ترى إلى قوله: {وَمَا يُمْسِكُ} يمنع ويحبس {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} مطلق له {مِن بَعْدِهِ} من بعد إمساكه.
وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة، ثم ذكره حملًا على اللفظ المرجع إليه إذ لا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير.
وعن معاذ مرفوعًا «لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم».
{وَهُوَ العزيز} الغالب القادر على الإرسال والإمساك {الحكيم} الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه.
{يأَيُّهَا الناس اذكروا} باللسان والقلب {نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} وهي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه، والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق.